GEOSTRATEGICA

Where Geopolitics Meets Innovation

تحالف الظل: تعاون استخباراتي غير معلن بين فرنسا وإسرائيل في زمن التصعيد الإقليمي

في ظل التصعيد الحاد بين إسرائيل وإيران، تبرز إلى الواجهة شبكة تعاون استخباراتي غير رسمية بين جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي المعروف باسم DGSE (الإدارة العامة للأمن الخارجي)، ونظيره الإسرائيلي “الموساد”، تعكس تحولًا نوعيًا في مقاربة باريس للملفات الأمنية في الشرق الأوسط.

الـDGSE، الذي يُعد الذراع الخارجي للأمن القومي الفرنسي، يضطلع تقليديًا بجمع المعلومات خارج الحدود، وتنفيذ عمليات سرية ومراقبة التهديدات الإرهابية العابرة للدول. إلا أن دوره في السنوات الأخيرة بدأ يتجاوز حدود الرصد، ليصبح فاعلًا في تنسيق عمليات تقنية وميدانية بالغة الحساسية، من بينها ما يجري اليوم في الساحات المتداخلة بين طهران وغزة وجنوب القوقاز.

تكامل تقني وميداني: الطائرات المسيّرة في قلب التعاون

من أبرز أدوات هذا التعاون السري بين باريس وتل أبيب: الطائرات المسيّرة. فقد أصبحت هذه الوسيلة، بفضل تطورها التكنولوجي وتنوع مهامها، أداةً محورية في تنفيذ الضربات الدقيقة، وجمع المعلومات، وتعطيل البنى التحتية الحساسة. وبينما راكمت إسرائيل خبرة طويلة في استخدام المسيّرات للاغتيالات والاستهدافات داخل العمق الإيراني، وفرت فرنسا تسهيلات تقنية ولوجستية تدعم هذه العمليات، خصوصًا في ما يتعلق بتحليل البيانات الحيّة، والتشويش الإلكتروني، والتنسيق في فضاءات عمل مشتركة.

وتشير تقارير إلى أن الموساد قام مؤخرًا بنشر مسيّرات متطوّرة عبر قواعد غير معلنة، بعضها داخل أراضٍ قريبة من الحدود الإيرانية، تمكّن من خلالها من ضرب منشآت إنتاج صواريخ ومنشآت ذات طابع نووي. المعلومات الاستخبارية المجمعة، والتي ساهمت DGSE في تدعيمها، كانت حاسمة في تحديد أهداف عالية الدقة ضمن موجة الضربات الأخيرة.

تموضع فرنسي جديد في الأمن الإقليمي

التقارب الاستخباراتي بين الطرفين لا يُفهم فقط في سياق مواجهة المشروع الإيراني، بل يُعد أيضًا جزءًا من استراتيجية فرنسية أوسع لإعادة التموضع في الساحة الأمنية الإقليمية. فقد عملت باريس على توسيع نفوذها الاستخباراتي عبر التعاون مع قوى محلية وإقليمية فاعلة، مستفيدة من علاقاتها السياسية والدفاعية المتشعبة، ومعززة حضورها في مناطق ذات حساسية استراتيجية، مثل البحر الأحمر والقرن الأفريقي وشمال سوريا.

وفي هذا الإطار، تقدم بعض العواصم العربية تسهيلات صامتة تساهم في إنجاح هذا التعاون، من خلال فتح أجواء، أو توفير بنى تحتية، أو تمرير بيانات. دون الإعلان عن ذلك رسميًا، تسهم هذه العوامل في رسم مشهد استخباراتي متشابك، تتقاطع فيه مصالح الأمن القومي الفرنسي مع الأجندة العسكرية الإسرائيلية.

نموذج جديد لحرب الظل

التعاون المتنامي بين DGSE والموساد يُجسّد تحوّلًا واضحًا في نمط الحروب المعاصرة. لم تعد العمليات الأمنية تدور في ميادين تقليدية، بل باتت تعتمد على حرب الظل المركبة: مزيج من الضربات الدقيقة، التجسس الإلكتروني، اختراق الشبكات البشرية، والتنسيق غير العلني بين أجهزة دولية.

وبينما يستفيد الطرفان من هذا التكامل – فرنسا عبر تعزيز قدراتها على التأثير الميداني دون التورط العلني، وإسرائيل عبر تعميق غطاءها الاستخباراتي خارجياً – يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى سيستمر هذا التحالف في حال اتسعت رقعة المواجهة، وتحولت الحرب المحدودة إلى صراع إقليمي مفتوح؟

في جميع الأحوال، ما يجري خلف الكواليس اليوم بين باريس وتل أبيب، قد يكون أحد أهم محركات المشهد الأمني القادم في الشرق الأوسط، وأحد العوامل التي ستحدد شكل التوازنات الجديدة ما بعد هذه المواجهة.